عندما قدم وزير المالية السعودي محمد الجدعان مؤخرا كشف حساب وزارته للربع الأول من العام المالي الحالي، تفاجأ السعوديون بالأسلوب الجديد المعمول به فهو نهج لم يتعودوا عليه ومختلف. أسلوب شفاف واضح ومباشر، خالٍ من الفوقية والتعالي التي كانت أساس ثقافة وزارة المالية في السابق. أسلوب مبسط في مفرداته وطرحه وفيه احترام لعقل المتلقي. هذا «التقرير» المقدم هو ما يطلق عليه بلغة الحوكمة: الإفصاح، وهو معني بتقديم مكاشفة صريحة للوضع المالي وتبيان أسباب النمو وأوجه الصرف وأسباب العجز إن وجد، وهو الذي تم. لا يقدر «قيمة» هذه النقلة في التعامل من قبل وزارة المالية إلا من تعامل معها في السابق. معاناة السعوديين مع وزارة ماليتهم في حقبة الثمانيات التي يطلق عليها حقبة «وزارة المالية السوداء» وذلك لما حصل فيها من تدمير كامل للثقة بين القطاع الخاص وبين الوزارة نظير تأخيرها الأسطوري في سداد المستحقات وعدم الاعتراف أساسا بوجود تأخيرات، بل وكانت تتمادى في الإنكار بفرض غرامات تأخير على المقاولين العاجزين عن تلبية متطلبات العقود نظير تأخير الوزارة في السداد، وذلك في تصرف أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه تعسفي ومليء بالجبروت. ولكن هكذا كانت ثقافة وزارة المالية، ترى نفسها أعلى من غيرها ولديها مركزية قرار تسمح لها بالتدخل في كل صغيرة وكبيرة وتعطيل المشاريع لسنوات طويلة. هناك قصة تروى عن المظالم التي تسببت فيها وزارة المالية وقتها على الغير ولا بد من روايتها هنا ليدرك الناس أين كنا وأين أصبحنا. كان أحد المقاولين لديه عقود توريد مواد غذائية لأحد المستشفيات بالمدينة المنورة وتوقف عن التوريد لعدم قدرته على سداد مديونيته لموردي المواد الغذائية، وذلك بسبب عدم حصوله على مستحقاته من وزارة المالية لمدة تتجاوز الأربعة عشر شهرا، فما كان من الوزارة إلا إصدار أمرها لأحد فنادق الخمس نجوم بالمدينة المنورة لتوريد الوجبات إلى المستشفى وقيد التكلفة (التي تجاوزت أربعة أضعاف تكلفة الوجبة العادية) على حساب المورد. هكذا كانت تدار الأمور في وزارة المالية وهكذا كانت ثقافتها. والآن يأتي وزير شاب من «خارج» الوزارة مقدما فكرا جديدا مدعوما برؤية اقتصادية جريئة وطموحة وشفافة تشمل الجوانب الحكومية والمالية بشكل عام.
السعودية تدرك اليوم أنها مطالبة بأسلوب جديد تدير بها أمور الدولة، وزارة المالية عادت إلى دورها وحجمها الطبيعي بعيدا عن طموحات وأمجاد شخصية لمن كان عليها ويسعى للهيمنة على قطاعات أخرى وزيادة مركزية القرار فيها وهو ما أثبتته الأيام بأنه كان مضرا وسيئا ومعطلا للتنمية. الطرح المقدم من قبل وزارة المالية أسلوب جديد ومريح ومطمئن روعي فيه تبسيط المحاور وتقديم التفاسير لكل رقم ولكل جدول دون صناديق سوداء وطلاسم غير مفهومة. محمد الجدعان قدم نموذجا حضاريا لدور وزارة المالية كأداة طمأنة في اقتصاد قوي يبحث عن أسلوب مخاطبة مع شعبه، والأرقام متى ما قدمت بأسلوب فيه احترام للمتلقي تصبح أداة مهمة لبناء الثقة. من المفرح أن يوجد السعوديون سابقة إدارية جديدة في طرح وزارة المالية للتعاطي الدوري مع التقارير، ولعل الفائدة تعم عربيا بعد رفع السقف النوعي هذا.
السعودية تدرك اليوم أنها مطالبة بأسلوب جديد تدير بها أمور الدولة، وزارة المالية عادت إلى دورها وحجمها الطبيعي بعيدا عن طموحات وأمجاد شخصية لمن كان عليها ويسعى للهيمنة على قطاعات أخرى وزيادة مركزية القرار فيها وهو ما أثبتته الأيام بأنه كان مضرا وسيئا ومعطلا للتنمية. الطرح المقدم من قبل وزارة المالية أسلوب جديد ومريح ومطمئن روعي فيه تبسيط المحاور وتقديم التفاسير لكل رقم ولكل جدول دون صناديق سوداء وطلاسم غير مفهومة. محمد الجدعان قدم نموذجا حضاريا لدور وزارة المالية كأداة طمأنة في اقتصاد قوي يبحث عن أسلوب مخاطبة مع شعبه، والأرقام متى ما قدمت بأسلوب فيه احترام للمتلقي تصبح أداة مهمة لبناء الثقة. من المفرح أن يوجد السعوديون سابقة إدارية جديدة في طرح وزارة المالية للتعاطي الدوري مع التقارير، ولعل الفائدة تعم عربيا بعد رفع السقف النوعي هذا.